الريادة الخضراء

بعد ظهور نمط الحياة الاستهلاكي التي فرضتها الثورات الصناعية المتعاقبة في السنوات الأخيرة والتي سببت هدر للطاقة بشكل سلبي وألحقت أضرار كبيرة بالبيئة، والتي أدت إلى تغييرات مناخية خطيرة تهدد الحياة على الكرة الأرضية واستنفاد لمواردها الطبيعية وغير ذلك من أضرار عديدة، ركزت الأبحاث الحديثة حول كيفية توجيه نشاط الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة لريادة الأعمال البيئية الأكثر استدامة، وقد أصبح هناك دمج في السنوات الأخيرة بين ريادة الأعمال والاستدامة، ولأن من أهداف الاستدامة الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية للسنوات القادمة، أصبحت النشاطات والأبحاث حول ريادة الأعمال الخضراء أكثر رسوخاً. وتعتبر ريادة الأعمال هي المدخل الرئيسي للتنمية المستدامة واحدة من أهم عوامل التعافي الأخضر.

حققت ريادة الأعمال التقليدية العديد من الفوائد للإنسان وأحرزت تقدماً على الصعيد الاقتصادي والأعمال والخدمات. لكن هذه الإنجازات كان لها آثار سلبية أخرى للبيئة والحياة. وعلى الرغم من الحديث حول التنمية المستدامة في مؤتمر ريو دي جانيرو في البرازيل عام 1992م، ومحاولة الجمع بين التنمية الاقتصادية والبيئية، كان التقدم عند بعض الدول ضئيل جداً. إلا أن التنمية الاقتصادية استمرت لكنها كانت تحمل السمات نفسها منذ انطلاق الثروة الصناعية والتي هي:

  • الهدف الرئيسي لها النمو المرتفع.
  • تركز على الاستهلاك.
  • قائمة على الكربون.
  • يعتبر النجاح فقط من خلال زيادة القيمة المضافة.
  • لا تدخل الأضرار البيئية ضمن تكلفة إنتاج السلع والخدمات.

أدى هذا النمط من التنمية الاقتصادية إلى تغييرات جذرية في العصر الذي نعيش فيه، ازدادت مع تقدم السنوات ولم تكن موجودة في الثورة الصناعية وريادة الأعمال التقليدية، وهي:

  • التغير المناخي الخطير الذي يهدد الحياة البشرية.
  • استنفاد الموارد الطبيعية.
  • تهدد الاستقرار بسبب التفاوت الكبير في الدخل بين الدول والأفراد.
  • التغير الديموغرافي، بسبب هجرة الناس الذين يعيشون في مناطق لن تعود صالحة للسكن.

ريادة الأعمال الخضراء

حتّم هذا الوضع الخطير ظهور ريادة الأعمال الخضراء. ولما كان ظهورها حديثاً، فإن الأبحاث حولها لا تزال محدودةً جداً. قبل ذلك، ركَّزت الأبحاث حول الأعمال البيئية على كيفية جعل أوجه نشاط الشركات الكبيرة أكثر استدامة. ومنذ أقل من عقد تحوَّلت إلى التركيز على الصلة بين ريادة الأعمال والاستدامة وأصبحت الأبحاث والنشاطات حول ريادة الأعمال الخضراء أكثر رسوخاً.

يقوم الريادي بتأسيس مشروع أو شركة زراعية صديقة للبيئة أو صناعية أو تجارية لحل مشكلة بيئية او مجتمعية ولها أثار إيجابية تعود بالنفع على المجتمع. ليس بالضرورة أن يكون لدى رواد الاعمال رؤوس أموال كبيرة كما كان في الفكر التقليدي لرجال الاعمال، بل أصبح من المهم أن يكون لدى رواد الاعمال القدرة على الابتكار حتى وان كان الابتكار في شكل نقل تجربه ناجحة من دول اخرى وتوطينها في المجتمع بما يتلاءم معه.

في النهاية استخدم الباحثون مصطلح (ريادة الأعمال الخضراء) بجانب مصطلح ريادة الأعمال المستدامة، وقد أصبح هذا النوع من نشاط ريادة الأعمال على انه جزء من اتجاه مجتمعي عالمي جديد يعول عليه في إنقاذ البشرية من أخطار التغيير المناخي والتصحر وانقراض الأنواع. وتتمحور السياسات الخضراء حول هذه الأهداف:

  • الدمج والتصالح بين البيئة والتنمية الاقتصادية والمجتمعية.
  • إدخال مفاهيم جديدة على علم الاقتصاد.
  • ترسيخ أنماط جديدة من الإنتاج والاستهلاك.
  • التميز والمنافسة من خلال الابتكارات التكنولوجية الحديثة الخضراء.

وبذلك تصبح ريادة الأعمال الخضراء هي المحرك الأول للحركة الاقتصادية، ومن أجل تحقيق ذلك يضع رواد الأعمال الخضراء أهدافاً قريبةً ومتوسطة المدى تتمحور حول جودة البيئة، والتنمية الاقتصادية، والاستدامة، والرعاية الاجتماعية، والابتكار التكنولوجي.

من ضمن النظريات الرئيسة التي يتم تداولها، أُعيد الاعتبار لمفاهيم عالِم الاقتصاد النمساوي الأمريكي جوزيف شومبيتر، 1883-1950م الذي صاغ وأدخل مفهوم وتعبير “ريادة الأعمال” إلى الاقتصاد منذ قرن تقريباً. ويُعدُّ عديدٌ من علماء الاقتصاد أنها صالحة اليوم للانتقال إلى اقتصاد أخضر.

إن ريادة الأعمال، كما حدَّدها شومبيتر في الأصل، هي أكثر بكثير من مجرد بدء أي عمل تجاري جديد، وتشمل ما يلي:

  • إدخال تغييرات ثورية حقاً في أساليب وممارسات العمل.
  • إطلاق منتجات جديدة متميزة.
  • إطلاق تقنيات جديدة للإنتاج.
  • ابتكار أساليب تنظيمية جديدة.

تحويل الأزمات إلى فرص:

يستفيد الابتكار البيئي من الأزمات الناشئة على أنواعها إلى فرصٍ للأعمال. إن المشكلة الكبيرة الناتجة عن ترَكُّز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، مثلاً، دفعت في المدة الأخيرة بعض روَّاد الأعمال الخضراء إلى ابتكار تكنولوجيا تحتجزه من الجو. فقد أُعلن في سبتمبر 2021م عن إنشاء أكبر مصنع حتى الآن لامتصاص أطنان من ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء في جنوب غرب أيسلندا، ويدعى “أوركا”؛ ويبدو أن شركاتٍ عديدة بدأت حديثاً بتتبع خطاه في كافة أنحاء العالم. تبدأ مكتسبات الابتكار الأخضر من مزايا بدائل الطاقة وتستمر على امتداد سلسلة القيمة: من استخراج مبتكر للمواد الأولية، وتصنيع المنتجات والمكونات، إلى البيع بالتجزئة، وانتهاءً بـدورة حياة السلعة. ثم يعاد استخدامها في دورة جديدة، حيث يتحقَّق بذلك الاقتصاد الدائري.

العقبات التي تواجهها ريادة الأعمال الخضراء:

  • البحث والتطوير والابتكار للتكنولوجيا هي عوامل أساسية لانطلاق المبادرات الخضراء. لكن معظمها لا يزال مرتبط بالشركات العملاقة التقليدية ومراكز الأبحاث المتعدِّدة التي تتموَّل منها.
  • نقص المعرفة والوعي الذاتي في السوق.
  • نقص المستثمرين ومشاركة القطاع الخاص.
  • التشريعات الحكومية.
  • الاختلافات الثقافية.
  • الصناعات المهيمنة.
  • نقص الحوافز وآليات الدعم.
  • البيروقراطية.

Leave a Comment